كفرنبل احلى منتدى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

مما ستقع فيه الأمة

اذهب الى الأسفل

مما ستقع فيه الأمة Empty مما ستقع فيه الأمة

مُساهمة من طرف dalzaeem السبت يناير 31, 2009 1:00 pm

الخطبة الأولى
أما بعد: عباد الله، اتقوا الله الذي أوصاكم بتقواه، واشكروه على أن اختاركم على العالمين، فجعلكم من أتباع خاتم النبيين وإمام المرسلين نبينا محمد ، في وقت اندرست فيه أعلام الهدى، وكثر فيه أهل الباطل والفساد، ونفقت فيه بضاعة أهل الإباحية والإلحاد، وراجت فيه سوق الزندقة والنفاق عند أكثر العباد.

تفشت فيه البدع والحادثات، فلبست الأمة فتنا ربا فيها الصغار، وفني عليها الكبار، قل الفقهاء والعلماء والصلحاء، وكثر الأدعياء والقرّاء، فظهر صدق ما أخبر النبي مما ستقع فيه الأمة من الانحرافات والمنكرات والمخالفات.

فمن ذلك أن النبي الذي أمضى أكثر دعوته يحذر من الشرك ويدعو إلى التوحيد أخبر أن الشرك سيقع في الأمة، فقال: ((لا تقوم الساعة حتى يلحق حيّ من أمتي بالمشركين، وحتى تعبد فئام من أمتي الأوثان))[1]. وها هو صِدق ما أخبر به ، فإن فئامًا من الأمة يبنون القباب على القبور، ويعمرون المشاهد والأضرحة، يدعون غير الله ويعبدن الأموات ويذبحون لهم القرابين وينذرون لهم النذور، يعلون أعلام الشرك، ويطمسون منارات التوحيد.

ومما وقع في الأمة وقد أخبر به متابعة اليهود والنصارى والتشبه بهم والأخذ عنهم، ففي الصحيح أن النبي قال: ((لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه))، قالوا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: ((فمن؟!))[2].

والأمة اليوم تتسابق وتتسارع في التبعية لليهود والنصارى والتشبه بهم، حتى أصبح تقليدهم ومضاهاتهم في سلوكهم وأفكارهم وأخلاقهم ونظمهم واقتصادياتهم وسياساتهم معيار التحضر والتقدم والتمدن عند كثير من المسلمين. فإنا لله وإنا إليه راجعون.

وأخبرنا أيضًا أن الأمة ستضطرب موازينها وتنتكس مقاييسها وتغش معاييرها، فقال : ((سيأتي على الناس سنوات خداعات، يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة))، قيل: وما الرويبضة؟ قال: ((الرجل التافه يتكلم في أمر العـامة))[3].

ومما أخبر به أن الأمة ستدع الجهاد وتأخذ أسباب الضعف والرقاد، فقال : ((إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لا ينـزعه حتى ترجعوا إلى دينكم)) رواه أبو داود وغيره[4]. وها هي الأمة ركنت إلى الدنيا وأعرضت عن الآخرة، هجرت ظهور الخيل التي عقد في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، وأخذت أذناب البقر، فسلط الله عليها الذل الموعود، حتى تجرعت كؤوس الذل والهوان والصغار من أذلّ الخلق يهود الذين ضربت عليهم الذلة والمسكنة وباؤوا بغضب على غضب، حتى غدت كما قال الأول:

ويُقضى الأمر حين تغيب تيم ولا يستأذَنون وهم شهود

هذا بعض ما أخبر به النبي أنه سيقع في الأمة، وهو وللأسف جزء من واقعها اليوم لا يمكن إغفاله، فالأمة اليوم تصطلي بنار الوهن والضعف والغفلة من أبنائها، وبنار الكيد والمكر والتخطيط والتشويه والتدمير والمسخ من أعدائها، فالأزمات والكروب تحدق بها من كل جانب، فالحق في أمتنا ضعيف الشوكة مهيض الجناح، لذا فإن الناظر لحال أمتنا اليوم قد تعتريه مشاعر اليأس والقنوط من ابتعاث هذه الأمة وحياتها، وقد تنتابه مشاعر الإحباط من أن تعود هذه الأمة إلى سابق عزها وسالف مجدها ومكانتها.

ولكن هذا الشعور وهذه الهواجس والوساوس سرعان ما تتبدد وتنقشع وتزول وتضمحل عندما ندرك أن الله سبحانه وتعالى وعدنا بحفظ دينه، كما قال تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ?لذّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَـ?فِظُونَ [الحجر:9]، فهذه الأمة محفوظة بحفظ رسالتها ودينها وكتابها، فهي باقية ما بقي الليل والنهار.

ووعد الله هذه الأمة أن لا يجمعها على ضلالة، وأنها مهما ضعفت وبعدت وأعرضت عن ذكره ودينه سبحانه فلا تزال فيها طائفة تحمل هذا الدين، هي منار للسائرين ودليل للحائرين وملاذ للمستضعفين، يقومون لله بالحجة، ويدعون إليه على بصيرة، يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدًا إلا الله، فمما تواتر عن النبي قوله: ((لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة)) هذا لفظ مسلم[5]، ولفظ البخاري من حديث معاوية أن النبي قال: ((لا يزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتيهم أمر الله وهم على ذلك))[6]، جعلنا الله وإياكم منهم.

ومما يسرّي عن المؤمنين الصادقين الذين تقرّحت قلوبهم وتفتّقت أفئدتهم مما نزل بالأمة من المآسي والخطوب أن يعلموا أن الإسلام دين الله، وأنه ليس أحد أغير من الله على دينه أن يذلّ أو يمتهن، ولا على أوليائه أن يعذّبوا أو يقهروا، وهو سبحانه وتعالى تكفّل بنصر دينه وإظهاره على كل دين، قال الله تعالى: هُوَ ?لَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِ?لْهُدَى? وَدِينِ ?لْحَقّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى ?لدّينِ كُلّهِ وَلَوْ كَرِهَ ?لْمُشْرِكُونَ [التوبة:33].

وقد بشر النبي بذلك فقال فيما أخرجه مسلم وغيره عن ثوبان رضي الله عنه: ((إن الله زوى لي الأرض ـ أي: جمعها وضمها ـ فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوى لي منها))[7]، وقال مبشرًا أمته فيما أخرجه أحمد وغيره: ((ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين، بعزّ عزيز أو بذل ذليل، عزًّا يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل به الكفر))[8].

وما أجمل ما قاله ابن القيم رحمه الله في نونيته:

فالله نـاصـر ديـنه وكتـابه والله كـاف عبـده بأمـان

لاتخش من كيد العدو ومكرهم فقتـالهم بالكذب والبهتـان

واثبت وقاتل تحت رايات الهدى واصبـر فنصر الله ربـك دان

والحق منصـور وممتحن فـلا تعجب فهـذي سنة الرحمـن

لكنمـا العقبى لأهل الحق إن فاتت هنا كانت لدى الديـان

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من المواعظ والذكر الحكيم.

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.




الخطبة الثانية:
أما بعد: فمن بشائر الخير التي بشر بها نبينا محمد أمته ما رواه أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها))[1].

فكلما أصاب الأمة الضعف والوهن وقل تمسكها بدين الله تعالى بعث الله لها من يردها إلى جادة الطريق، ويعيدها إلى الصراط المستقيم، وإن من بشائر الخير وبوارق الأمل التي تشع في النفوس الفرح والسرور، وتلبسها لباس البهجة والحبور، هذه الجذوة التي تلوح في الأفق تشرق كالفجر، والتي يسمونها: "الصحوة"، وهي حقيقة تجديد وبعث لهذا الدين، أهلها من الغرس الموعود الذي بشر به النبي ، ففي ابن ماجه بسند جيد عن أبي عنبة الخولاني قال: قال رسول الله : ((لا يزال الله يغرس في هذا الدين غرسًا يستعملهم في طاعته))[2].

فأهل الصحوة هم غرس الله، وهم حراس الدين وحماته، قبلوا شريعة الله قولاً وفعلاً، وحرسوا سنة نبيه حفظًا وعملاً، قوامون بأمر الله، عن الدين ينافحون، ودونه يناضلون، ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، هدم الله بهم البدع المحدثة للمذاهب الضالة والآراء المنحرفة، صاحوا بأعلى أصواتهم ينادون بالعودة إلى الكتاب والسنة والتمسك بهما في العقائد والأحكام. فمَنَّ الله سبحانه وتعالى على كثير من المسلمين فاستجابوا لدعاة الإيمان مع كثرة العوائق والعقبات، فعاد قطاع عريض من الأمة إلى الله تعالى، فحيثما توجهت رأيت رجوعًا خاشعًا خاضعًا لله تعالى، ووجدت نفوسًا متعطشة إلى الدين وأهله مشتاقة إلى الإسلام ورجاله بعد أن أضناها طول السُّرى وراء مناهج الكفر والإلحاد، وأرهقها طول السعي وراء السراب، وأمضها السير في دروب التِيه والظلام، فحيثما مشيت سمعت آهات التائبين وزفرات النادمين وعبرات الباكين تردد، ودموع الخشوع والندم تزين وجوههم، تائبون عائدون لربنا حامدون. فالحمد لله الذي نصر دينه وأنجز وعده وهزم الأحزاب وحده، وصدق القائل:

صبـح تنفّـس بالضياء وأشرقـا والصحوة الكبرى تهز البيرقا

ما أمر هذي الأوبـة الكبرى سوى وعد من الله الجليـل تحققـا

عباد الله، إن هذه الوعود وهذه الآمال وهذه المبشرات لا تعفي الأمة وأهل الصحوة والخير خاصة من العمل الدائب والكد الدائم الناصح، فلا بد من جهد صادق ونية صالحة ودعوة مثابرة وعلم راسخ حتى يتحقق للأمة نصر الله تعالى، فإن الله سبحانه وعد الأمة بالنصر والعز والتمكين والظهور على الأعداء والمعاندين إذا استقامت على الشرع القويم علمًا ودعوةً وعملاً، قال الله تعالى: ?لَّذِينَ إِنْ مَّكَّنَّـ?هُمْ فِي ?لأرْضِ أَقَامُواْ ?لصَّلَو?ةَ وَاتَوُاْ ?لزَّكَـو?ةَ وَأَمَرُواْ بِ?لْمَعْرُوفِ وَنَهَوْاْ عَنِ ?لْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَـ?قِبَةُ ?لأمُورِ [الحج:41].

ولا يظن ظان أن هذا النصر وهذا الوعد بالتمكين سيأتي باردًا بلا آلام وتضحيات، فإن سنة الله تعالى تأبى ذلك، قال تعالى: أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ?لْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ ?لَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ ?لْبَأْسَاء وَ?لضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى? يَقُولَ ?لرَّسُولُ وَ?لَّذِينَ ءامَنُواْ مَعَهُ مَتَى? نَصْرُ ?للَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ ?للَّهِ قَرِيبٌ [البقرة:214].

فنسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يرزقنا وإياكم الثبات على الدين، وأن يجعلنا جميعًا من عباده المتقين ومن حزبه المفلحين، وأن يقر أعيننا بنصر الدين.
dalzaeem
dalzaeem
Admin
Admin

عدد الرسائل : 174
العمر : 42
الموقع : سوريا ادلب
تاريخ التسجيل : 31/12/2008

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى